مقدمة
تشهد المرحلة الحالية تطوراً ملحوظاً واهتماماً متزايداً بالتعلم الإلكتروني و التعلم المدمج؛ نتيجة للثورة التكنولوجية من ناحية ومن ناحية أخرى الظروف الحالية التي يمر بها العالم وهي جائحة كوفيد- 19والتي تسببت في انقطاع ملايين الطلبة في العالم عن التعلم التقليدي؛ ومن ثم لجأ الجميع للتعلم الإلكتروني؛ حيث يتميز التعلم الإلكتروني بعديد من المميزات منها أنه يتيح للمتعلم أن يتعلم ما يريد في الوقت الذى يريده وبسرعته الذاتية مع التفاعل المستمر مع الزملاء والمعلم ومع المحتوى الذى يقدم له من خلال الوسائط المتعددة ( النص – الصوت – الصور – الفيديو – الرسوم الثابتة والمتحركة )، كما أنه يعطى فرصاً متساوية للجميع للحصول على التعلم، ويتميز بفرص التقييم المستمرة والسريعة بالإضافة إلى سهولة تعديل وتحديث المحتوى التعليمي باستمرار.
وبالرغم من هذه المميزات للتعلم الإلكتروني إلا أن بعض الدراسات أشارت إلى بعض جوانب القصور فيه والتي لا يستطيع التغلب عليها، ومع ذلك لا يمكن تجاهل التكنولوجيا الحديثة والاعتماد على التعلم الإلكتروني هذا من ناحية ومن ناحية أخرى يوجد للتعلم التقليدي مميزات عديدة، تجعل من الصعب الاستغناء عنه رغم ما به من قصور؛ ومن هنا أصبحت الحاجة إلى مدخل جديد يجمع بين مميزات كل من التعلم التقليدي والتعلم الإلكتروني وهو التعلم المدمج؛ حيث تشير الدراسات أن التعلم المدمج أحد المداخل الحديثة القائمة على استخدام التكنولوجيا لتصميم مواقف تعليمية جديدة التي تزيد من إستراتيجيات التعلم النشط المتمركز حول المتعلم، كما يمكننا اعتبار أن التعلم المدمج هو إستراتيجية تعلم يتم من خلالها استخدام التقنيات الحديثة في التدريس مع الحضور في غرفة الصف ويتميز بتوفير الوقت والجهد والتكلفة وتوفير وقت المعلم وسهولة تقييم المتعلمين وتحسين أدائهم ووصول المعلومة لهم في أسرع وقت؛ حيث توصلت عديد من البحوث والدراسات السابقة إلى فاعلية التعلم المدمج في العملية التعليمية وخاصة المرحلة الجامعية نظراً لانخفاض تكلفته والوقت اللازم للتعلم وزيادة رضا المتعلمين عن تعلمه.
مفهوم التعلم المدمج:
هو إستراتيجية تعليمية تقوم على التكامل والتفاعل بين نمطي التعلم التقليدي بوسائله المتنوعة المتمثلة في المحاضرات والمناقشات وورش العمل والتعلم الإلكتروني بأشكاله المتنوعة وأدواته؛ بهدف تحقيق تعلم نشط يساعد على تشجيع المتعلم على المشاركة وتبادل الخبرات مع أقرانه وجهاً لوجه واستمرار هذه المشاركة بشكل إلكتروني.
مميزات التعلم المدمج:
للتعلم المدمج عدة مميزات منها:
- التركيز على مهارات المتعلمين الأساسية وتنميتها
- تحسين نواتج التعلم المختلفة ورفع كفاءته؛ حيث يسهم في تنمية الجوانب المعرفية والأدائية والدافعية لدى المتعلمين وتكوين اتجاهات إيجابية نحو التعلم
- توفير بيئة تفاعلية مستمرة؛ مما يسهل من التواصل مع المتعلم
- خفض تكلفة التعلم مقارنة بالاعتماد على التعلم الإلكتروني فقط
- سهولة تعلم موضوعات المحتوى التي يصعب تعلمها من خلال التعلم الإلكتروني فقط
- يسهم التعلم المدمج في تحقيق أهداف المقرر الدراسي
- تعزيز الجوانب الإنسانية والعلاقات الاجتماعية بين المتعلمين بعضهم البعض وبين المتعلمين والمعلم
- توفير وقت وجهد المعلم من خلال استخدامه لأدوات التعلم المدمج
- تحسين بيئة التعلم؛ حيث يتيح التعلم المدمج للمعلم الجمع بين عدد من التكنولوجيات التعليمية
- التركيز على الدور النشط للمتعلم في عملية التعلم من خلال الاعتماد على الأنشطة الفردية والتشاركية والتعلم القائم على المشروعات.
- قدرة التعلم المدمج على زيادة فاعلية التعلم عن طريق استخدام الوسيط المناسب لعرض المحتوى، على سبيل المثال: حجرة الدراسة التقليدية ملائمة لورش العمل والتدريبات والاختبارات التحريرية والتغذية الراجعة، بينما التعلم الإلكتروني غير المتزامن ملائم لأي أداء يمكن أداؤه عبر الشبكة مثل المحاكاة والنماذج التعليمية التفاعلية، والتفاعل الإلكتروني المتزامن يستخدم للتفاعل الفوري بين المتعلمين والتغذية الراجعة على أداء المهام عبر الإنترنت
- زيادة إمكانيات الوصول للمعلومات
- إشراك الطلاب في اختيار نمط الدمج المناسب لأسلوب تعلمهم من خلال مساعدة المعلم لهم.
يتضح مما تقدم أن للتعلم المدمج عدة مميزات تجمع بين مميزات التعلم التقليدي ومميزات التعلم الإلكتروني؛ مما قد يسهم في تحقيق الأهداف الإجرائية المعرفية الأدائية وزيادة الدافعية نحو التعلم فضلاً عن مناسبته لأساليب التعلم المختلفة من خلال أنماطه المتعددة وتوفير المادة العلمية بطرق مختلفة.
أقرأ أيضا: قواعد مهمة عند إنتاج الفيديوهات التعليمية
متطلبات التعلم المدمج:
التعلم المدمج إستراتيجية تعليمية تجمع بين التعلم التقليدي والتعلم الإلكتروني ومن ثم ينبغي أن يتوافر عدد من المتطلبات التقنية والمتطلبات البشرية كما يأتي:
- المتطلبات التقنية: وتتمثل في توفير كل من:
- فصول الافتراضية بجانب الفصول التقليديّة، بحيث يكمل كل منهما الآخر وفقاً لنمط الدمج المستخدم.
- نظام لإدارة التّعلّم الإلكتروني ونظام لإدارة المحتوى.
- البرامج والأجهزة اللازمة لهذا النوع من التعلم
- الأدوات والوسائل التي تستخدم في التدريب العملي
- برامج التقييم الإلكتروني
- مواقع للتحاور عبر الإنترنت مع الخبراء في المجال
- المتطلبات البشرية: وهي متطلبات تتعلق بالمعلم والطالب
فيما يتعلق بالمعلم ينبغي أن يكون قادراً على كل من:
- التدريس التقليدي بجانب التدريس الإلكتروني باستخدام الحاسوب والإنترنت
- التعامل مع البرامج المختلفة لتصميم المقررات الإلكترونية
- استخدام وسائل التواصل المتزامنة وغير المتزامنة في التواصل مع طلابه
- الانتقال من مرحلة التعلم التقليدي إلى مرحلة التعلم الإلكتروني
- تشجيع الطلاب على المشاركة بفاعلية سواء في الفصول التقليدية أو الفصول الافتراضية
أما فيما يتعلق بالطالب ينبغي أن يتوافر لديه ما يلي:
- المهارات الأساسية في التعامل مع الحاسوب والإنترنت وإجراء المحادثات عبر الإنترنت
- القدرة على البحث عن المعلومات عبر قواعد البيانات.
- الدافعية بأن يكون مشارك في العملية التعليمية.
- فضلاَ عن الدعم الفني من خبراء متخصصون في مجال التصميم التعليمي وتطوير المواقع عبر الإنترنت.
في ضوء ما تقدم يتبين أن للتعلم المدمج متطلبات أساسية لتنفيذه تتمثل في توفير بنية تحتية لتنفيذ التعلم الإلكتروني وتوفير مهارات تكنولوجية لدى المعلم بالإضافة إلى قدرة المعلم على تنفيذ التعلم التقليدي والإلكتروني بشكل متكامل لتحقيق الأهداف الإجرائية، فضلاً عن توفير مهارات تكنولوجية لدى الطالب وتغيير دوره من متلقى سلبي إلى نشط فعال ومشارك في العملية التعليمية.
أنماط التعلم المدمج:
يوفر التعلم المدمج مجموعة متنوعة من الأنماط التي ظهرت نتيجة لدمج التعلم التقليدي وجها لوجه مع التعلم عبر الإنترنت وتوفر هذه الأنماط طرقاً مختلفة للتفاعل حيث تجمع بين التفاعلي عبر الإنترنت والتفاعل وجهاً لوجه ومن ثم تتحقق أقصى استفادة للمتعلم، ونتيجة لأن معظم المدارس والجامعات أصبحت تعتمد على التعلم المدمج تم تطوير عدة أنماط لمساعدة المدارس بشكل فعال في تقديم تعليم شخصي فعال ومتميز.
بعض الأسس والنظريات التي يرتكز عليها التعليم المدمج:
- نظرية الحضور الاجتماعي: تناولت نظرية الحضور الاجتماعي المقارنة بين الحضور المباشر والحضور غير المباشر عبر الإنترنت ففي حالة الحضور غير المباشر يتم الاعتماد على وسيط تكنولوجي وبتوظيف الوسائط المتعددة وكيف يمكن أن يوفر معنًا مشترًكا بين المتعلمين ، وإشعارهم بحضورهم الاجتماعي الحقيقي وترتكز هذه النظرية علي الاتصال وعلم النفس الاجتماعي كما تهتم هذه النظرية بالأثر الاجتماعي لنموذج الاتصال عبر الإنترنت ونمط الموقف المتناوب يوفر للمتعلم الحضور المباشر في موقف التعلم التقليدي الذى يقوده المعلم وكذلك الحضور غير المباشر عبر الإنترنت، والقيام بأنشطة تشاركية سواء بشكل تقليدي أو إلكتروني مما يشعر المتعلم بحضور اجتماعي بين أقرانه عن طريق تفاعلاته الاجتماعية معهم.
- نظرية النشاط: تقوم الأنشطة التعليمية على مبادئ نظرية النشاط؛ التي أشار إليها محمد عطية خميس كما يلي: تركز نظرية النشاط على نظام النشاط أو الحدث الذي يقوم به المتعلم، باستخدام الأدوات التي توفرها البيئة التعليمية، لدعم عملية التعلم. التعلم عملية بناء الحدث من خلال العمل وليس من خلال التلقي السلبي للمعرفة. النشاط يسبق التفكير. النشاط يتكون من (الأفراد، والأشياء أو الأنشطة المقصودة، والأدوات وهي الأدوات التكنولوجية التي يستخدمها الفرد في تنفيذ النشاط، والقواعد وهي الشروط التي تساعد في تحديد كيف ولماذا ينشط الأفراد بهذا الشكل نتيجة للشروط الاجتماعية، والمجتمع.
- النظرية البنائية: ترى النظرية البنائية أن التعلم “عملية نشطة لبناء المعرفة والفهم حيث يقوم المتعلمون بتعديل بنية معارفهم من خلال الاستيعاب والتكيف واكتساب المعرفة عند التفاعل مع البيئة ، وتؤكد على بعدين الأول يتمثل في تحقيق المتعلمين لأهداف تعلمهم الخاصة، والبعد الثاني يتمثل في أن التعلم عملية نشطة يبنى فيها المتعلم معرفته من خلال التفاعلات الاجتماعية والتفاوض الاجتماعي أثناء المناقشات مع زملائه في المعنى والتشارك في وجهات النظر المتعددة وتغيير التمثيلات الداخلية من خلال التعلم التشاركي، ويعد المتعلم من وجهة نظر البنائية المحور الأساسي في بيئة التعلم وبناء المعرفة واكتسابها، ويتم تحديد التعلم على أنه نتيجة للبناء العقلي لكل طالب مما يساعد على اكتساب وتطوير مهارات تفكير عليا، ويعد دمج التكنولوجيا في بيئات التعلم تًم ّكن الطلاب من الوصول إلى المعرفة واستكشافها وتحليلها وبناءها.